على دين الخليل
ما خلق الله تعالى بشراً إلاَّ وزرع في قلبه بَذْرَ الْحُبِّ إعدادا للفطرة ليميل إلى ما به تَنْدَى عاطفتُه وتستأنس روحُه. ميلٌ له في سلالم الحب مَرَاتِبُ ودرجات، وله على قلوب أهله سلطانٌ وأيُّ سلطان. و”حُبُّكَ الشَّيْءَ” -كما قال صلى الله عليه وآله وسلم- “يُعْمِي وَيُصِمُّ”.
فإذا كان الحب يُعْمِي ويُصِمّ، ولم يكن بُدٌّ من سجود القلب في محرابه، فليكن حبّاً في السبيل الذي يجعل الإنسان جديرا بالنفخة العلوية التي تقيم صُلْبَهُ روحاً، ويَخْفُقُ لكلماتها قلباً، ويستحق بها السجود بَشَراً سَوِيّاً بين يدي من أسْجَدَ له ملائكتَه من قبل. ولا يستوي بَشَرٌ قائماً إلاَّ بتلك السجدة. فلتكن، إذَنْ، سجدةً عُلْوِيَّةً.
وكيف تكون السجدةُ عُلْوِيَّةً إنْ لَمْ يَتَقَلَّبْ صاحبُها تَقَلُّباً في الساجدين الأعْلَيْنَ؟
إذا كان الحبُّ يُعْمِي ويُصِمُّ، فإنني أكاد أرِدُ موارد الهلاك إن لم أُوَفَّق في اختيار “مَنْ” أُحِبُّ، مَنْ أسجد “مَعَهُ” “على دينه” للدَّيَّان عز وجل. وقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اَلْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِل”.
فلاَ كان حُبٌّ إن لم يكن في ذَاتِ مَنْ زرع حَبَّـتَهُ في روحي بيده، ودَلَّنِي على ماء الحياة الذي يُسقى به بَذْرُهُ بضمانته، ولا كان حُبٌّ إن لم يكن وقوداً لمحرِّكات قلبي أُغَالِبُ بقوتها جاذبية الأرض فترفعني إلى سابعِ سماواته، ولا كان حُبٌّ إن لم يكن حِضْنُهُ موصولاً بمصدر النور الحق وغايته.